الاثنين، 13 أبريل 2015

نظرية الفيض في الفلسفة المشرقية

نظرية الفيض في الفلسفة المشرقية
سأتجوز في تعريف نظرية الفيض
أسس الفارابي وبعده ابن سينا لهذه الفرضية على محاولة إيجاد مخرج من إشكالية اعتقدوها وهي : صدور الكثرة عن الواحد, لأن صدور متعدد لا يكون إلا عن متعدد , وهذا في نظرهم محال على الله, فوجد الفارابي عند اليونان جزءا من الحل, فجمعوه إلى وجوب تغليفه بالتغليف الإسلامي, فوظفوا النظرية اليونانية وغيروا الأسماء إلى أسماء إسلامية.
وتقوم النظرية على أن الله تعالى عبارة عن عقل مجرد..لا صفات له, وهو مشغول في تعقل نفسه, لأن الكامل لا يجوز أن يتعقل في الناقص, وتعقله كان علة (سببا) لصدو وفيض عقل منه أقل كمالا منه, بحيث أن هذا العقل (الله) لم يرد ذلك ولم يكن قادرا عليه, بل فاض منه ضرورة عقلية...ثم صار العقل الثاني يتعقل في نفسه وفي العقل الذي فوقه فينتج عنه فلك وعقل آخر..وهذا العقل يتعقل أيضا على نحو ما تعقل الذي قبله  وهكذا إلى العقل الأخير وهو العاشر (جبريل) لتكون الصورة إسلامية- وعنه فاضت المادة ...وكلما نزلنا في العقول نحو المادة كلما قل الكمال وظهر النقص
وزاد ابن سينا ثالثا وهي النفس باعتبار أنه زاد على الفرابي في قسمته الثنائية (واجب الوجود, وممكن الوجود) فجعلها, (واجب الوجود بذاته, ممكن الوجود بذاته واجب الوجود بغيره)..فصار تعقل العقل لذاته باعتبارين, باعتباره ممكن الوجود بذاته وباعتباره واجب الوجود بغيره)
وهذه نظرية معارضة للعقيدة الإسلامية , فالوحي اثبت الخلق لله تعالى بإرادة وقدرة وعلم
وقد لاقت هذه النظرية انتقادا شديدا من الفلسفة المغربية في الأندلس, وكان أشد من انتقدها ابن رشد في كتابه "تهافت التهافت" حين صرح بأن نظرية الفيض الفارابية والسيناوية "كلها خرافات, وأقاويل أضعف من أقاويل المتكلمين , وهي كلها أمور دخيلة في الفلسفة ليست جارية على أصولهم, وكلها أقاويل ليست تبلغ مرتبة الإقناع الخطبي, فضلا عن الجدلي" واستغرب صدور مثل هذا عن الفارابي وابن سينا فقال: "والعجب كل العجب, كيف خفي هذا على أبي نصر وابن سينا لأنهما أول من قال هذه الخرافات فقلدهم الناس, ونسبوا هذه الأقوال إلى الفلاسفة"
ولإنصافه وافق الغزالي في قوله عن إلاهيات ابن سينا والفارابي في (تهافت الفلاسفة) أنها "ظنية" .
هذا باختصار وإلا فالنظرية يمكن عرضها بطريقة أدق...ببيان اصولها اليونانية وربما الهندية أيضا وما يلزم منها شرعا وعقلا والله تعالى المستعان..

الأحد، 12 أبريل 2015

الفارابي ..وتقديم الفيلسوف على النبي,النص والقراءة

الفارابي ..وتقديم الفيلسوف على النبي
النص والقراءة
لقراءة فكر الفارابي قراءة عميقة تستحضر منظومته المصطلحية وجهازه المفاهيمي يجب وضع نصوصه في سياق مشروعه وأسسه بطريقة شمولية, ولذلك تجد الأستاذ محمد عابد الجابري رحمه الله وهو يحقق خلاصة ما قرأه في كلام الفرابي ومن خلاله وبين كلماته مستحضرا ما ذكرت, وبعد أن عرض طبيعة العقول المكونة لمرتبة الفيلسوف عنده, تجده يقول عن رؤية الفارابي لطبيعة العلاقة بين الفلسفة والدين معرفيا : "تلك هذه مرتبة الفيلسوف , وهي مرتبة توازن بل تفوق مرتبة النبي, باعتبار أن الفيلسوف يتلقى الحقائف من العقل الفعال بعقله, في حين يتلقاها النبي منه بمخيلته,وهذا الذي يلقيه العقل الفعال في عقل الفيلسوف أو في مخيلة النبي يتلقاه هو من الله".
وقد سبقه إلى هذا ابن تيمية في كثير من كتبه, وانتبه له بفائق فهمه وقدرته على فرك النصوص فركا وتحليلها بما يظهر الحقائق الكائنة فيها.
وقد أورد بعد ذلك نص الفارابي الشهير في رئيس المدينة الفاضلة , وليس فيه ما يشير إلى أنه يقصد الأنبياء أصحاب الشرائع بالوحي, بل يقصد الفليلسوف الذي يصل إلى مرتبة تلقي الفيض (الوحي) عن جبريل (العقل الفعال) وقد يحصل سوء فهم بسبب التسرع دون مراجعة المحققين من أهل الشأن في مثل هذه الأمور الدقيقة, ولذلك أنصح أن لا يتسرع أحدنا في فهم كلام هؤلاء إلا بعد استنطاق ما كتبه الدارسون للفلسفة والفكر الفلسفي خصوصا عن الفلاسفة المشائين.
وقد يكون لي موقف مع من ذهب من الفلاسفة إلى أن النبوة قد تكتسب بالمجاهدة والتزكية..وأن ما يفيض على الأنبياء أصحاب الشرائع يمكن أن يفيض على الفلاسفة عن طريقة التعقل, ولذلك يسمون الفيض وحيا.
وأرجو الانتباه لهذا الملحظ, أعني موقف بعض الفلاسفة من (الوحي) و(طبيعته) فإنه معين على حسن قراءة فلسفته وعرضها.

بعث الأجساد عند الفلاسفة,بين النفي والإثبات

بعث الأجساد عند الفلاسفة
بين النفي والإثبات
من الأمور المشتهرة عند بعض الفلاسفة إنكار أن يبعث الإنسان جسدا مع روحه, وهي أمور من عقيدة المسلمين, والقائل بها مخالف لعقيدة الإسلام, فقد ثبت بالوحي أن الأجساد تبعث ايضا, أما في كتاب الله تعالى فقوله تعالى : "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه, قال من يحيي العظام وهي رميم, قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم" وكأن هذا السائل هو نفسه ذاك الفيلسوف المنكر لذلك...وجواب الله تعالى واضح
ومن السنة النبوية حديث عجب الذنب وفيه: "ليس من الإنسان شيء إلا يبلى ، إلا عظمًا واحدًا وهو عجب الذنب ، ومنه يركب الخلق يوم القيامة " وهو واضح في أن الأجساد يعاد خلقها من عجب الذنب
وإنما أردت ضرب المثال لما يمكنه أن ينتج عن استعمال الظن (لا العقل , فليس كل من ادعاه سلم له) وترك الوحي من كتاب الله العظيم وسنة النبي الحكيم صلوات ربي وسلامه عليه..
وعليه, فمحل التفلسف الأمور التي تركها الوحي لاجتهادات الناس, أما ما حسم فيه الوحي من أمور العقيدة فليس إلا التسليم به كما أخبر الله ورسوله.

الكندي ناحت المصطلحات,بين الاقتناء...والتكلف

الكندي ناحت المصطلحات
بين الاقتناء...والتكلف
عرف الكندي رحمه الله تعالى بقدرة على تخليق المصطلحات كمصطلحي (الأيس) و(الليس), وقد تميز بهذا, ونحا نحوه طائفة من المحدثين فنحتوا مصطلحات أسسوا بها لجهاز مفاهيمي واصطلاحي خاص, لكن الكندي أحيانا كان يخرج عن حد الاعتدال فيستعمل مصطلحات فيها نحو من الركاكة والتطويل كما انتقد عليه رحمه الله قوله : "هذا من باب فقد عدم الوجود" وفقد عدم الوجود هو الوجود !!! من باب "أين اذنك اليمنى, فأدار يده اليسرى فوق رأسه ليصل إليها", وهذا معروف عن كثير من المتفلسفة,مع أنه كان من أحسنهم بيانا, لكن الجريان على هذا تكلف وقد نهينا عن التكلف كما في الحديث.
وقد استطاع الكندي أن يحقق في كثير من فلسفته نوعا من الحرية في الانتقاء والاقتناء, فثبت على القول بالخلق وحدوث الموجودات سوى الله تعالى, فكان أقرب إلى الشريعة والعقيدة من غيره من المشائين.
وقد أعجبت بشخصية الكندي, فقد كان على منهج نقدي ظاهر, فإنه اقتنى وانتقى..رحمه الله

موقف علماء الشريعة من المتفلسفة, بين الحكمة...والمشائية

موقف علماء الشريعة من المتفلسفة
بعد أن بدأت معالم الترجمة مع الأمويين, بترجمة بعض كتب العلوم البحتة , ثم بلغت إلى مرحلة ترجمة كتب اليونانيين الإلاهية أخذ علماء الشرع منها مواقف متفاوتة يجمعها قدر مشترك واحد هو (النقد) , بين مطلق ومقيد, مجمل ومبين...فانتقدوا [بعض] ما لاحظوه عند [بعض] المتفلسفة من مظاهر الشرك وتعطيل صفات الله ومخالفة الرسل, وكان موقفهم ذلك من بعض الفلاسفة, لا من كل الفلاسفة, بل - كما قال ابن القيم- :" فإن الفلسفة من حيث هي لاتعطي ذلك, فإن معناها محبة الحكمة...والحكمة نوعان , قولية وفعلية, القولية قول الحق, والفعلية فعل الصواب...والفلاسفة اسم جنس لمن يحب الحكمة ويؤثرها..وأصح الطوائف حكمة من كانت حكمتهم [أقرب] إلى حكمة الرسل التي جاؤوا بها عن الله تعالى...والفلاسفة لا تختص بأمة من الأمم, بل هم موجودون في سائر الأمم"
قال ابن الجوزي : "وهؤلاء كانت لهم علوم هندسية ومنطقية وطبيعية, واستخرجوا بفطنهم أمورا خفية , إلا أنهم لما تكلموا في الإلهيات خلطوا , ولذلك اختلفوا فيها , ولم يختلفوا في الحسيات والهندسيات...تكلموا بمقتضى ظنونهم من غير التفات إلى الأنبياء" .
فقد لقيت الفلسفة معارضة من علماء الكتاب والسنة, واختلفت طرق معارضتها, ولعل من أجملها ما كان نقدا علميا لما رأوا أنه معارض لنصوص الكتاب والسنة, وقد تولى ذلك بعض حكماء الشريعة وكبار فحول منظريهم, وأنتج هذا التدافع النقدي نوعا من التوازن في المواف, وأشهر من تولى ذلك من أذكياء علماء الشريعة ابن تيمية في كتب كثيرة له, كدرء تعارض العقل والنقل, والنبوات, والصفدية وغيرها وقبله الغزالي في تهافت الفلاسفة وقد رد عليه ابن رشد, ونتج عن لغزالي خاصة إعادة ترتيب أوراق الفلسفة المشرقية, ولي حديث عن الفلسفة المغربية إن شاء الله خاصة.والله أعلم.

الخميس، 9 أبريل 2015

نشأة الفيلسوف واثرها في فلسفته

نشأة الفيلسوف واثرها في فلسفته
ينبغي ايضا الانتباه إلى أثر النشأة في الفلسفة, فيجب استحضار أن الكندي تربى في محاضن معتزلية, فكانت فلسفته اعتزالية, والفارابي تعلم على أدي صابئة حران المشركين فكانت فلسفتههرمسية يونانية وابن سينا تربى في بيت إسماعيلي باطني فكانت فلسفته مغرقة في الهرمسية...وإلى المغرب, فابن رشد الحفيد تربيى في بيت فقه, فكان أعدلهم طريقة وأقربهم إلى العقلانية...
وقد سبق أن نبهنا الاستاذ البختي إلى هذا مرارا...النشأة والمحضن لهما دور في طبيعة الفلسفة...كما أن البيئة السياسية والاجتماعية ايضا...ثم الأحوال الشخصية.

فلسفة البلاط

 فلسفة البلاط
من الأمور المشتركة بين فلاسفتنا الستة أنهم جميعا كانوا من رواد البلاطات الملكية, صحيح أن بعضهم كان طبيبا للأمير , لكنه في نهاية الأكر, كان طبيبا ملكيا, زصحيح ايضا أنهم تفاوتوا في ذلك بين مقيم ومتردد , والغريب أيضا أنه هؤلاء المشائين وفقوا أرسطو في ذلك, فقد كان من رواد البلاط اليوناني ومعلما للإسكندر المقدوني وكذلك كان الكندي مع المأمون, وهذه أمور لابد من استحضارها اقصد الجوانب السياسية في فكر هؤلاء الفلاسفة, فإنها معينة على فهم مشاريعهم .